كانت ليلة كتلك الليالي التي تعشقها، ساكنة وهادئة، حين وقفت تتأمل انعكاسها في المرآة على ضوء خافت. لم تكن في المنزل سوى هي، والغرفة مغلقة بإحكام، مما يضفي على المشهد طمأنينة زائفة. فجأة، وبلا سابق إنذار، لمحته. كان طيفًا سريعًا ركض خلفها، مجرد لمحة خاطفة جعلت عينيها تتسعان رعبًا وتسمرتا على الجدار الفارغ خلفها في المرآة. انقبض قلبها، فلا أحد في المنزل، والباب موصد. من أين أتى؟ ومن هو؟
عندما استعادت وعيها، لم تكن في منزلها. كانت في مكان آخر، خلف الظلال، حيث ترى الجميع وهم لا يرونها. شاهدت عائلتها تبكيها، تشيع جثمان فتاة أخرى لا تشبهها أبدًا. صرخت بأعلى صوتها، محاولة إخبار والدتها بالحقيقة: "هذه الفتاة ليست أنا! انظري يا أمي، هي بيضاء وممتلئة، أما أنا فحنطية ونحيلة!". لكن صوتها لم يصل، وعاشت أقسى لحظات حياتها وهي تراهم يدفنون أملهم في عودتها.
وجدت نفسها حبيسة عالم مظلم، بارد، وذي رائحة كريهة. كان سجانها هو ذلك الكائن الصامت ذو الجسد الضخم والعيون الداجية. في البداية، رفضت طعامه الغريب، ثمار دائرية حمراء تقترب من السواد لم تر مثلها قط، وأضربت عن الطعام والشراب، مهددة إياه بأنها ستفضل الموت على هذا السجن. لكنه اقترب منها بهدوء مرعب، وببرودة جليدية التصق جسده بجسدها، ومد يده المقززة ذات الحوافر الطويلة بالثمرة. باستسلام تام، وخوفًا من أن يسحقها، أخذت الثمرة وقضمت منها. عندها فقط، ابتعد واختفى في طرفة عين.
مرت الأيام، التي كانت تحسبها برسم دوائر على الحائط، وهي تحاول فهم ما يحدث. بدأت عيناها تتكيفان مع الظلام، بل وأصبحت رؤيتها فيه أوضح. وتغير إحساسها، فصارت تشعر بوجوده حتى لو لم تره، خاصة عندما تبكي كل ليلة، حيث كانت تشعر به قريبًا، وكأنه يواسيها.
من خلال ثغرة صغيرة في سجنها، كانت تستطيع رؤية غرفتها القديمة لبضع دقائق. في إحدى المرات، رأت والدتها تجلس على فراشها، تتحدث إليها كأنها موجودة، وتقول: "أنا أعلم أنكِ هنا يا ابنتي... أشعر بكِ، وأعرف يقينًا أن من ماتت لم تكن أنتِ". كلمات أمها منحتها أملًا جديدًا، وقوة للصمود.
قررت أن تواجهه، أن تضغط عليه ليخبرها بسر وجودها هنا. صرخت، وضربت، وسحقت الثمار التي قدمها لها. لكنه ظل صامتًا كتمثال، يمد يده إليها في انتظار. أخيرًا، وفي لحظة يأس، وضعت يدها المرتعشة في كفه.
لم يعدها إلى منزلها، بل نقلها إلى مكان أشد ظلمة وقذارة، حيث شاهدت كائنات أخرى تشبهه. كانوا يتواصلون بهمهمات غريبة. ثم رأت أحدهم يحمل فتاة في مثل سنها، وكشف عن علامة سوداء مربعة على ظهرها. هنا، تذكرت كلمات أمها عن "العلامة المميزة" على ظهرها، وأدركت أن هذه العلامة هي سبب اختطافها، وأن أمها لم تصدق موتها لأنها لم تجد تلك العلامة على جثة الفتاة الأخرى.
بدأت رحلة تحولها. في اليوم السابع والثلاثين، أخذها لترى فتاة أخرى مسجونة، كانت في مراحل متقدمة من التغير. شعرها متساقط، وجسدها بدأ يشبه تلك الكائنات. أصابها الفزع عندما أدركت أنهم يحولون الفتيات المختطفات ليصبحن مثلهم.
الغريب، أنها بدأت تشعر بالجوع الشديد، والتهمت الثمار التي كانت ترفضها بنهم. مشاعر جديدة ومقيتة بدأت تجتاحها نحوه. تغيرت حواسها وجسدها؛ ملمس جلدها أصبح خشنًا، نبضات قلبها بالكاد تُسمع، ورائحة المكان لم تعد تزعجها.
في اليوم التاسع والثلاثين، اقتربت منه، لمست وجهه الخشن وصدره البارد، وشعرت بدقات قلب خفيفة. أمسك بها، نظر إليها بعينين اتسعتا كأنهما تحملان النجوم، وهمس بصوت فهمته على الفور: "أنتِ لي غدًا". تركها في حالة من الذهول والشوق، تتساءل عن معنى كلماته.
في اليوم الأربعين والأخير، أتاها بمرآة. نظرت، فلم تر نفسها. رأت انعكاسه هو. جسد ضخم، عيون سوداء قاتمة، بشرة داكنة، ورأس أصلع. لقد اكتمل تحولها. أصبحت مثله. وقف بجانبها، ينتظر أن يأخذ دفتر مذكراتها، وهمس لها مرة أخرى: "أنتِ الآن لي". لم تعد هناك دوائر على الحائط، ولا ثغرة تطل على عالمها القديم، فقط هي وهو، في بداية حياة جديدة خلف حائط الظلام.
0 مراجعة